فصل: (سورة الذاريات: الآيات 1- 6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخبرني محمد بن القاسم بن أحمد الفقيه قال: حدّثني عبد الله بن أحمد الشعراني، قال: أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن سعيد الأرعيالي قال: سمعت محمد بن عبدالوهاب يقول: قال لي علي بن غنام: عندي هريسة، ما رأيك فيها؟ قلت: ما أحسن رأيي، قال: امضِ، فدخلت الدار فجعل ينادي يا غلام يا غلام، والغلام غايب، فأدخلني بيتًا فجلست فيه، فما راعني إلاّ معه القمقمة والطست وعلى عاتقه المنديل، فقلت: إنّا لله يا أبا الحسن لو علمت أن الأمر عندك هكذا ما دخلت. قال: هوّن عليك، حدّثنا أبو أسامة عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله سبحانه: {هَلْ أَتَاكَ حديث ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين} قال: خدمته إياهم بنفسه، وقال عبدالعزيز بن يحيى الكناني: كانوا مكرمين عند الله، نظيره في سورة الأنبياء {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ}.
قال أبو بكر الوراق وابن عطاء: سمّاهم مكرمين، لأنّ أضياف الكرام مكرمون، وكان إبراهيم عليه السلام أكرم الخليقة وأطهرهم فتوة.
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقالواْ سَلاَمًا قال سَلاَمٌ قَوْمٌ} أي أنتم قوم {مُّنكَرُونَ} غرباء لا نعرفكم، وقيل: إنّما أنكر أمرهم، لأنّهم دخلوا عليه من غير استئذان، وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.
{فَرَاغَ} فعدل ومال إبراهيم {إلى أَهْلِهِ} قال الفرّاء: لا ينطق بالروغ حتى يكون صاحبه محتفيًا لذهابه ومجيئه {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} قال قتادة: كان عامة مال إبراهيم البقر {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قال أَلاَ تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ} أي صيحة، ولم يكن ذلك إقبالا من مكان إلى مكان وإنّما هو كقول القائل: أقبل يشتمني، بمعنى أخذ في شتمي.
{فَصَكَّتْ} قال ابن عباس: لطمت {وَجْهَهَا} وقال الآخرون: ضربت يدها على جبهتها تعجبًا، كعادة النساء إذا أنكرن شيئًا أو تعجبن منه، وأصل الصكّ الضرب {وَقالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} مجازه: أتلد عجوز عقيم؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك وكان بين البشارة والولادة سنة، فولدت له سارة وهي بنت سبع وتسعين، وإبراهيم ابن مائة سنة.
{قالواْ كَذَلِكِ قال رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم} حدّثنا أبو بكر بن عبدوس إملاءً قال: أخبرنا أبو سهل القطان ببغداد، قال: حدّثنا يحيى بن جعفر، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن يوسف، قال: حدّثنا يوسف بن يعقوب، قال حدّثنا نصر بن علي، قال: أخبرنا نوح بن قيس، قال: حدّثنا عون بن أبي شداد أنّ ضيف إبراهيم المكرمين لمّا دخلوا عليه فقرّب إليهم العجل فسحه جبريل عليه السلام بجناحه، فقام العجل يدرج في الدار حتى لحق بأُمّه.
{قال فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون قالوا إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ} قال الكلبي من سنك، وكل بيانه قوله سبحانه: {سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ} [هود: 82، الحجر: 74، الفيل: 4].
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المسلمين}.
{وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً} عبرة {لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم}.
{وَفِي موسى} أي وتركنا في إرسال موسى أيضًا عبرة وقال الفرّاء: هو معطوف على قوله: {وَفِي الأرض آيَاتٌ} {وَفِي موسى} {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}.
{فتولى} فأعرض وأدبر عن الإيمان {بِرُكْنِهِ} بقوته وقومه، نظيره {أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] يعني المنعة والعشيرة، وقال المؤرخ: بجانبه {وَقال سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} قال أبو عبيدة: (أو) بمعنى (الواو)؛ لأنهم قد قالوهما جميعًا، وأنشد بيت جرير:
أثعلبة الفوارس أو رياحًا ** عدلت بهم طهيّة والخشابا

وقد يوضع (أو) بمعنى (الواو) كقوله: {آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] و(الواو) بمعنى (أو) كقوله سبحانه: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساء مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].
{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم وَهُوَ مُلِيمٌ} قد أتى بما يلام عليه.
{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم} وهي التي لا تلقّح شجرًا ولا تنشئ سحابًا ولا رحمة فيها (ولا) بركة.
{مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم} كالنبت الذي قد يبس وديس.
قال ابن عباس كالشيء الهالك. مقاتل: كالبالي. مجاهد: كالتبن اليابس. قتادة: كرميم الشجر. أبو العالية: كالتراب المدقوق. قال يمان: ما رمته الماشية بمرمتها من الكلأ، ويقال للنسفة: المرمة والمقمة، وقيل: أصله من العظم البالي.
{وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ} يعني وقت فناء آجالهم.
{فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} قال الحسين بن واقد: كلّ صاعقة في القرآن فهي عذاب {وَهُمْ يَنظُرُونَ} إليها نهارًا.
{فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ} فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض به ولا دفاع {وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} منتقمين منّا.
قال قتادة: وما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} قرأ أبو عمرو والاعمش وحمزة والكسائي وخلف (وقوم) بجرّ الميم في {وَقَوْمَ نُوحٍ}، وقرأ الباقون بالنصب، وله وجوه: أحدهما: أن يكون مردودًا على الهاء والميم في قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} أي وأخذت قوم نوح، والثاني: وأهلكنا قوم نوح، والثالث: واذكر قوم نوح {مِّن قَبْلُ} أي من قبل عاد وثمود وقوم فرعون {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
{والسماء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ} بقوة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} قال ابن عباس قادرون، وعنه أيضًا: لموسعون الرزق على خلقنا. الضحاك: أغنياء، دليله قوله سبحانه: {عَلَى الموسع قَدَرُهُ} [البقرة: 236] القتيبي: ذوو سعة على خلقنا. الحسين بن الفضل: أحاط علمنا بكل شيء. الحسن: مطبقون.
{والأرض فَرَشْنَاهَا} بسطنا ومهدّنا لكم {فَنِعْمَ الماهدون} الباسطون، والمعنى في الجمع التعظيم.
{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والبر والبحر، والسهل والجبل، والشتاء والصيف، والجن والانس، والكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والحق والباطل، والذكر والانثى، والجنة والنار.
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فتعلمون أنّ خالق الأزواج فرد.
{ففروا إِلَى الله} أي: فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان ومجانبة العصيان.
قال ابن عباس: فرّوا منه إليه، واعملوا بطاعته، وقال أبو بكر الورّاق: فرّوا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرَّحْمن، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن يوسف قال: حدّثنا محمد بن حمدان بن سفيان، قال: حدّثنا محمد بن زياد قال: حدّثنا يعقوب بن القاسم، قال: حدّثنا محمد بن معز عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان في قوله سبحانه: {ففروا إِلَى الله} قال: اخرجوا إلى مكة. الحسين بن الفضل: احترزوا من كل شيء دونه، فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه.
قال الجنيد: الشيطان داع إلى الباطل، ففرّوا إلى الله يمنعكم منه. ذو النون: ففرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر. عمرو بن عثمان: فرّوا من أنفسكم إلى ربّكم. الواسطي: فرّوا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم. سهل بن عبد الله: فرّوا مما سوى الله إلى الله.
{إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِين}.
{وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
{كَذَلِكَ} أي: كما كفر بك قومك، وقالوا ساحر ومجنون كذلك {مَآ أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قالواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}.
{أَتَوَاصَوْاْ بِهِ} أوصى بعضهم بعضًا بالتكذيب وتواطؤوا عليه، والألف فيه ألف التوبيخ.
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} عاصون.
{فَتَوَلَّ} فأعرض {عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ} فقد بلّغتَ ما أُرسلتَ به وما قصّرتَ فيما أُمرتَ.
قال المفسرون: فلمّا نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ ذلك على أصحابه، ورأوا أن الوحي قد انقطع وأنّ العذاب قد حضر، فأنزل الله سبحانه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} قال علي بن أبي طالب: معناه إلاّ لآمرهم أن يعبدوني، وأدعوهم إلى عبادتي، واعتمد الزجاج هذا القول، ويؤيده قوله.
{وَمَآ أمروا إِلاَّ ليعبدوا إلها وَاحِدًا} [التوبة: 31] وقوله: {وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [البينة: 5].
قال ابن عباس: ليقرّوا لي بالعبودية طوعًا أو كرهًا.
فإن قيل: فكيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلّل لأمره ومشيئته، وأنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضى عليهم؟ (قلنا:) لأنّ قضاءه جار عليهم ولا يقدرون الامتناع منه إذا نزل بهم، وإنّما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به، فأمّا التذلّل لقضائه فإنّه غير ممتنع فيه، وقال مجاهد: إلاّ ليعرفونِ.
ولقد أحسن في هذا القول لأنّه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده، ودليل هذا التأويل قوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} [التوبة: 65] الآيات.
وروى حيّان عن الكلبي: إلاّ ليوحّدونِ، فأمّا المؤمن فيوحّده في الشدّة والرخاء، وأمّا الكافر فيوحده في الشدّه والبلاء دون النعمة والرخاء، بيانه قوله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [العنكبوت: 65] الآية.
وقال عكرمة: إلا ليعبدونِ ويطيعونِ. فأُثيب العابد وأعاقب الجاحد، وقال الضحاك وسفيان: هذا خاص لأهل عبادته وطاعته. يدلّ عليه (ما) قرأهُ ابن عباس: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس} من المؤمنين {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}. قال في آية أُخرى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الجن والإنس} [الأعراف: 179] وقال بعضهم: معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلاّ لعبادتي، والأشقياء منهم إلاّ لمعصيتي، وهذا معنى قول زيد بن أسلم، قال: ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة، وقال الحسين بن الفضل: هو الاستعباد الظاهر.
وليس على هذا القدر؛ لأنّه لو قدر عليهم عبادته لما عصوه ولما عبدوا غيره وإنمّا هو كقوله: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] ثم قال: {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: 10] {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} [سبأ: 13].
ووجه الآية في الجملة أنّ الله تعالى لم يخلقهم للعبادة خلق جبلة وإجبار وإنّما خلقه لهم خلق تكليف واختيار، فمن وفّقه وسدّده أقام العبادة التي خُلق لها، ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما خلق لها. كقوله صلى الله عليه وسلم «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» والله أعلم.
{مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} أي رزقًا {وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين} قرأه العامّة برفع النون على نعت الله سبحانه وتعالى، وهو القوي المقتدر المبالغ في القوّة والقدرة.
قال ابن عباس: المتين الصلب الشديد، وقرأ يحيى والأعمش (المتين) خفضًا على نعت القوّة. قال الفرّاء: كان حقّه التأنيث فذكّره؛ لأنّه ذهب به إلى الشيء المبرم المحكم الفتل، كما يقال: حبل متين، وأنشد الفرّاء:
لكلّ دهر قد لبست أثوبا ** حتى اكتسى الرأس قناعًا أشيبا

من ريطة واليمنة المعصّبا

فذكّر المعصب؛ لأنّ اليمنة صنف من الثياب.
ومن هذا الباب قوله سبحانه: {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} [البقرة: 275] أي وعظ، وقوله: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67] أي الصياح والصوت.
وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، قال: حدّثنا القطيفي، قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا يحيى بن آدم ويحيى بن أبي كثير قالا: حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالرَّحْمن بن يزيد عن عبدالله بن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين}.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} كفروا من أهل مكة {ذَنُوبًا} قال ابن عباس وسعيد بن جبير: سجّلا. مجاهد: سبيلا. النخعي: طرفًا. عطاء وقتادة: عذابًا. الحسن: دولة. الكسائي: حظًا. الأخفش: نصيبًا. وأصل الذّنوب في اللغة الدلو الكبيرة العظيمة المملوءة ماءً.
قال الراجز:
لها ذَنوب ولكم ذَنوب ** فإن أبيتم فلنا القليب

ثم يستعمل في الحظ والنصيب كقول علقمة بن عبيدة.
وفي كل قوم قد خبطت بنعمة ** فحق لشأس من نداك ذَنوب

لعمرك والمنايا طارقات ** لكل بني أب منهم ذَنوب

{مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} من كفار الأُمم الخالية {فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} بالعذاب، فإنّما أُمهلوا مع ذنوبهم لأجل ذنوبهم.
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} وهو يوم بدر، وقيل: يوم القيامة. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الذاريات مكية وآياتها 60، نزلت بعد الأحقاف.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[سورة الذاريات: الآيات 1- 6]:

{وَالذَّارِياتِ ذَرْوًا (1) فَالْحامِلاتِ وِقرًا (2) فَالْجارِياتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْرًا (4) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6)}.
{وَالذَّارِياتِ} الرياح لأنها تذرو التراب وغيره. قال اللّه تعالى: {تَذْرُوهُ الرِّياحُ} وقرئ بإدغام التاء في الذال {فَالْحامِلاتِ وِقرًا} السحاب، لأنها تحمل المطر. وقرئ: {وقرا}، بفتح الواو على تسمية المحمول بالمصدر. أو على إيقاعه موقع حملا {فَالْجارِياتِ يُسْرًا} الفلك.
ومعنى {يُسْرًا}: جريا ذا يسر، أي ذا سهولة {فَالْمُقَسِّماتِ أَمْرًا} الملائكة، لأنها تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها. أو تفعل التقسيم مأمورة بذلك. وعن مجاهد: تتولى تقسيم أمر العباد: جبريل للغلظة، وميكائيل للرحمة. وملك الموت لقبض الأرواح، وإسرافيل للنفخ.
وعن علىّ رضى اللّه عنه أنه قال وهو على المنبر: سلوني قبل أن لا تسألونى، ولن تسألوا بعدي مثلي، فقام ابن الكوّاء فقال: ما {الذاريات ذروا}؟ قال: الرياح. قال: {فالحاملات وقرا}؟
قال السحاب. قال: {فالجاريات يسرا}؟ قال: الفلك. قال: {فالمقسمات أمرا}؟ قال: الملائكة وكذا عن ابن عباس. وعن الحسن {فَالْمُقَسِّماتِ} السحاب، يقسم اللّه بها أرزاق العباد، وقد حملت على الكواكب السبعة، ويجوز أن يراد: الرياح لا غير، لأنها تنشئ السحاب وتقله وتصرفه، وتجرى في الجوّ جريا سهلا، وتقسم الأمطار بتصريف السحاب. فإن قلت: ما معنى الفاء على التفسيرين؟
قلت: أمّا على الأوّل فمعنى التعقيب فيها أنه تعالى أقسم بالرياح، فبالسحاب الذي تسوقه، فبالفلك التي تجريها بهبوبها، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن اللّه من الأمطار وتجارات البحر ومنافعه. وأمّا على الثاني، فلأنها تبتدئ بالهبوب، فتذرو التراب والحصباء، فتنقل السحاب، فتجرى في الجوّ باسطة له فتقسم المطر {إِنَّ ما تُوعَدُونَ} جواب القسم، وما موصولة أو مصدرية، والموعود: البعث. ووعد صادق: كعيشة راضية. والدين: الجزاء، والواقع: الحاصل.